فيلم سينمائي أمريكي ينتقد أساليب الجيش الأمريكي في العراق بصراحة بالغة – إحدى مشاهد الفيلم مرفقة
2008-03-11 :: وكالات - الرابطة العراقية ::
من أهم ما يعرض من أفلام في مهرجان لندن السينمائي هذا العام الفيلم الأمريكي Redacted أي "روقب" وهي كلمة تستخدم في وصف ما يحدث من تنقيح وتنظيف ورقابة تشمل الحذف والاستبعاد من التقارير الاخبارية الأمريكية المصورة التي تأتي عادة من مناطق الحروب والأزمات المشتعلة.
مخرج الفيلم هو الأمريكي بريان دي بالما (67 سنة) الذي عرف بإخراج الأفلام المشوقة البوليسية مثل "منتهى الأناقة" Dressed To Kill ، و"الوجه ذو الندبة" Scarface و"غير القابلين للرشوة" The Untouchables و"زهرة الأضاليا السوداء" Black Dahlia، وغيرها. ولكن ربما يكون من أهم ما أخرجه فيلم "إصابات الحرب" Casualties of War 1989 الذي ظهر في إطار موجة نقد التورط الأمريكي في فيتنام. ورغم النجاح الكبيرة والشهرة العريضة التي حققها دي بالما في هوليوود، كمخرج "محترف" كبير من الطراز الأول، إلا أنه يأتي أخيرا ليدهشنا باختياره إخراج عمل خارج هوليوود، فكرا وشكلا وإنتاجا وتمويلا. هذا الفيلم الجديد يعد "ثورة" في السينما الأمريكية، أو إعلانا عن مولد شكل جديد يتحدى الأشكال السائدة ويسبح بعيدا في الاتجاه الآخر المعاكس لتيار السينما الأمريكية التقليدية. ولاشك أن اختيار الموضوع فرض أيضا اختيار الشكل. وبعد أن كنا قد عرفنا "سينما الحقيقة" و"الكاميرا بندقية" و"السينما الثورية" ها نحن اليوم أما نوع جديد من السينما وصفه البعض بأنه "حرب عصابات بالكاميرا". الحكاية تدور حول: الجرح العراقي دي بالما اختار عن وعي، فتح الجرح العراقي في السينما الأمريكية، ولكن ليس من خلال فيلم يتحدث عن "معاناة" الجنود الأمريكيين في العراق، بل عما يفعله هؤلاء في العراق، وعما يتعرضون له، وعن وجهة نظر "الآخر" أي العراقيين أنفسهم، بل والمسلحين أيضا، وما هو الثمن "الأخلاقي" الفادح الذي يدفعه الأمريكيون من جراء تورطهم على هذا النحو، في بلد لا يعرفون عنه شيئا. ودي بالما يسعى من خلال فيلمه إلى أن يعرض لنا الصور واللقطات التي لا تصل إلينا أبدا، بل عادة ما تُراقب وتُستبعد من التقارير الإخبارية. ولأن الموضوع متشعب وشائك كان لابد أن يكون الشكل جديدا ومبتكرا. فقد لجأ دي بالما إلى استخدام الكاميرا الديجيتال أو الرقمية الصغيرة، مانحا نفسه حرية كبيرة في الحركة والتعبير، من خلال طرق ووسائل مختلفة، أساسها بالطبع، الشكل التوثيقي والتسجيلي وغير الروائي، مع إعادة تجسيد الأحداث والوقائع باستخدام ممثلين، وبالتصوير في بيئة مشابهة كثيرا للبيئة العراقية، حيث صور الفيلم في الأردن. والموضوع يدور حول المأزق الأمريكي في العراق، من خلال مدونات الجنود على شبكة الانترنت، وأحاديثهم عبر كاميرا الانترنت مع زوجاتهم وأقاربهم، واللقطات التي يصورها أحدهم بكاميرا فيديو خاصة على شكل يوميات. فهو يرغب في التقدم لدراسة الإخراج السينمائي بعد عودته إلى بلاده، ولقطات أخرى مصورة من كاميرات المراقبة المركبة أمام بوابات المعسكرات والقواعد الأمريكية في العراق، والكاميرات التي تستخدمها فرق التغطية التليفزيونية والإعلامية بما في ذلك الصحفيون المرافقون للقوات الأمريكية في عملياتها. لكننا لا نرى ما يحدث في العراق من وجهة نظر الجنود والصحفيين الأمريكيين فقط بل من خلال عيون العراقيين، والتغطية التلفزيونية العراقية، ومواقع الانترنت التي تستخدمها جماعات مسلحة تبث من خلالها لقطات لما تقوم به من عمليات ضد القوات الأمريكية، وتشمل أيضا عمليات الاختطاف والإعدام بقطع الرأس، كما نرى في لقطة مباشرة صادمة عبر موقع متخيل يطلق عليه في الفيلم "شهداء الحرية". ويعبر دي بالما عن رؤيته المخيفة من خلال استخدام كل هذه الصور واللقطات المشوشة والمضطربة ومزجها بلقطات أخرى مصورة بالكاميرا الصغيرة المحمولة على اليد تظهر متأرجحة، وتتحرك في عصبية وتوتر طوال الوقت، ويفترض أنها مأخوذة من فيلم تسجيلي فرنسي من أفلام "سينما الحقيقة" في العراق. ولا يتخذ الفيلم وجهة نظر واحدة موضوعية إزاء ما يصوره ويعرضه، بل هناك وجهات نظر متعددة، منها أيضا ما يبثه مراسلون أمريكيون وعرب يقفون أمام الكاميرا التليفزيونية وينقلون تقاريرهم من العراق. "أدلة مهمة"..!في إحدى المقابلات تحاصر صحفية أمريكية جنديا أمريكيا اثناء اقتحامه ورفاقه منزلا والقبض على شاب عراقي داخله، وتسأله بإلحاح: لماذا تقومون بإخفاء رأسه؟ هل يستطيع التنفس؟ هل أنت واثق؟ ويؤكد هو لها أن الشاب يستطيع التنفس، وأنهم سيأخذونه بعيدا لاستجوابه بشأن العمليات المسلحة، فتعود لتسأله: وما هذه الأوراق التي تأخذها ولماذاا؟ يقول إنها دليل.. فتعود لسؤاله: كيف عرفت أنها دليل.. هل تعرف العربية" فيقول إنه لا يقرأ العربية، لكن هذه الأوراق أدلة مهمة وأنه سيأخذها للفحص. وفي مشهد آخر، نرى ثلاثة جنود أمريكيين يتحدثون عن شعورهم بالخوف، وبأنهم يقتربون من الموت، ويقول أحدهم: إنهم يريدوننا أن نُقتل هنا. واللقطة مصورة من كاميرا المراقبة خارج معسكر أمريكي. وهناك لقطات أخرى مصورة عند إحدى نقاط التفتيش، تصور حالة الذعر التي يشعر بها الجنود الأمريكيون، فهم لا يستطيعون التفرقة بين السيارات الملغومة، وبين السيارات البريئة، وبسبب شعورهم بالفزع كثيرا ما يطلقون النار عشوائيا فيقتلون الأبرياء.ويقول التعليق على لقطات الفيلم التسجيلي الفرنسي أنه خلال 24 شهرا قتل 2000 عراقي عند نقاط تفتيش، 60 منهم في مواجهات، دون ان يحاكم أي أمريكي قط بسبب قتله عراقيين أبرياء. ويحتوي الفيلم على لقطات شديدة التأثير لجثث متفحمة ونساء تنزف ومستشفيات مليئة بالمصابين، والمقصود أن نرى ما لا نراه عادة بسبب خضوع التقارير عن الوضع في العراق للتنظيف والرقابة. اغتصاب عبير الجنابي ويركز الفيلم كثيرا على وحدة من الجنود الأمريكيين في مدينة سامراء، أثناء لهوهم وعبثهم ومشاجراتهم ومحاولاتهم إزجاء الفراغ أحيانا، والتغلب على الشعور بالخوف عن طريق لعب القمار، إلى أن نصل إلى محور الفيلم أي الحدث الذي كان له صدى كبير في العام الماضي، والذي يعيد الفيلم ببراعة، تجسيده وتصويره بإقناع كبير، يصدم المتفرج ويصيبه بالشلل. تتابع الكاميرا قيام وحدة من مجموعة من الجنود بمداهمة منزل في سامراء واعتقال شاب واغتصاب شقيقته عبير الجنابي وقتل كل أفراد أسرتها ثم قتلها بإطلاق الرصاص على رأسها ثم حرق جثتها. ويصور الفيلم كيف أن زميلا لهم أخذ يتضرع إليهم ألا يغتصبون الفتاة مرددا "بحق السماء إنها في الخامسة عشرة من عمرها فقط"، إلا أنهم لا يستمعون إليه بل يتناوبون على اغتصابها بوحشية في مشهد مثير لكل مشاعر التقزز. وفيما بعد يحاول الجنود إلقاء اللوم فيما حدث على النزاع بين السنة والشيعة. ويصور الفيلم كيف يتطور الأمر بعد أن أصبح مادة إعلامية، حتى يضطر الأمريكيون إلى إجراء تحقيق مع الجنود، وكيف يشهد عليهم زميلهم الذي لم يشارك في الجريمة الوحشية، بينما يحاول المحققان النيل منه وتفنيد شهادته بل والصاق التهمة به لترويعه. وينهي دي بالما فيلمه بعشرات الصور الفوتوغرافية الحقيقية لجثث محترقة مبتورة الأطراف لأطفال وكبار ومسنين، رجال ونساء، أكوام من الجثث، عيون مفقوءة، وأرجل مقطوعة، أطراف مبتورة، ودماء في كل مكان، على خلفية لموسيقى حزينة. هذا الفيلم الشجاع يبدو أكثر تأثيرا من أي فيلم وثائقي عن الوضع في العراق، فهو يقدم صورة مكثفة متعددة الأطراف والزوايا، يعيد تصوير الأحداث بصدق كما وقعت، استنادا- كما يقول دي بالما- إلى ما كتبه الجنود أنفسهم في رسائلهم ومذكراتهم ومدوناتهم، ومن خلال لقطات مصورة أيضا يقول إنه اكتشف أنهم جعلوها متاحة للجميع عبر موقع "يوتيوب" الشهير على شبكة الانترنت."روقب" يتعرض للرقابة..!الغريب أن فيلم "روقب" Redacted تعرض لنوع من الرقابة حتى قبل عرضه في دور العرض الأمريكية المقرر الشهر القادم. فقد أصرت الشركة التي تملك حقوق توزيع الفيلم على ضرورة وضع علامات سوداء لإخفاء وجوه العراقيين الذين تظهر صور جثثهم في نهاية الفيلم، بدعوى تفادي ما يمكن أن يترتب من إشكاليات قانونية ومالية تتعلق بعدم الحصول من ذويهم على حقوق استخدام مثل هذه الصور. إلا أن المخرج دي بالما رفض هذا التفسير، ووجه انتقادات شديدة للشركة الموزعة، وقال إن فيلمه تعرض "للتنظيف" و"للرقابة" كما انتقد هوليوود بسبب "تقاعسها" عن تمويل الفيلم، واتهم شركات التأمين بالتحكم في التوزيع. دي بالما أيضا يتعرض حاليا لهجوم عنيف من قبل الصحافة اليمينية في الولايات المتحدة، وقد اتهم أخيرا من قبل مذيع شهير في قناة "فوكس نيوز" بأنه "الولد السيئ في بلادنا"، وحضت القناة الجمهور على الإعراض عن الفيلم، وقالت إنه قد يؤدي إلى مقتل مزيد من الجنود الأمريكيين في العراق. يمكنكم مشاهدة مقطع من الفيلم على الرابط التالي:
هناك تعليق واحد:
ولاتزال الفئه الحاكمه تصر على ان العراق غير محتل بالله عليكم ارسلوها للعطيه اشو شيرد على هذا المنظر
إرسال تعليق