الأحد، أبريل 08، 2012

البعث ولادة خالدة و رسالة متجددة



الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
 أكاديمي عراقي مقاوم

      
 في السابع من نيسان عام 1947م عقد المؤتمر القومي الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي، ليكون إيذانا بتشكيل نظامي لحركة الثورة العربية الجذرية الشاملة التي تعتمد الانقلاب على الذات وعلى الواقع المتخلف طريقا لإعادة بعث الدور الحضاري للعرب بعد أن غيّبته عصور الاستلاب والقهر. ولدت حركة البعث في إطارها وأفقها القومي لتتصدى لتناقضات المجتمع العربي وتقدم فهما وتصورا أصيلا نابعا من خضم واقع الأمة لمواجهة تلك التناقضات فكانت أهداف البعث في ثالوثه المقدس .. الوحدة حلا" لمحنة الفرقة والتشرذم ونموذجها الأبهى والميداني الأول هو تنظيم البعث القومي ذاته كدلالة رمزية وواقعية على ممكنات تحقيق الحلم العربي .. والحرية كرَد ومواجهة كفاحية ضد الاستعمار بكل أشكاله ودرجاته، وهي عنوان  الاستقلال السياسي والاقتصادي الناجز الذي إن تحقق طبقا لعقيدة البعث ومبادئه العظيمة فسيكون هو البوابة العظيمة على ولادة النظام الديمقراطي النابع من بين ثنايا الواقع العربي والمتمثل لقيمه الاجتماعية والدينية والثقافية ... والاشتراكية كحل جذري لظلم الإقطاع والرأسمالية أو ظلالها وتحرير الإنسان عبر منحه فرص العمل والتعلم والخدمات وتوزيع الثروات الهائلة في أمتنا عبر مختلف منافذ التنمية الشاملة والمستديمة، وبما يحقق نموا مضطردا في الدخل القومي والانتقال الحاسم إلى عوالم التكنولوجيا والإنتاج الصناعي المتطور واستخدام الأنماط التقنية الحديثة في الطب والتعليم والزراعة والتجارة والاتصال والمواصلات .. واشتراكية البعث هي الأخرى اشتراكية علمية عربية الملامح وتنطلق في أسسها النظرية والتطبيقية من إرث الأمة وحضارتها وعقيدتها السماوية الأكبر والأوسع وهي الإسلام الحنيف حيث تتجاوز بصيغ التنفيذ مشاكل الملكية الفردية بما لا يجعل من إقرارها والعمل بها ضمن أطر القطاع الخاص الموازي في وجوده الوطني إلى الحضور الأهم والأعظم للقطاع العام وبما لا يجعل من الملكية الفردية منفذا لرأسمالية تضطهد الإنسان وتستعبده وتسرق جهده. اشتراكية البعث تعني العدل الاجتماعي المنبثق في الكثير من أطره الأخلاقية والمادية من توافقات منهجية مع تعاليم الإسلام الحنيف فلا تتعارض معها رغم إنها لا توقع الإسلام في مطبات ولا متاهات السياسة ولا تثقل كاهله باستخدامه استخداما انتهازيا فوقيا للتحشيد والكسب والتعبئة الوضعية.اشتراكية البعث تعني رفاه الإنسان والمجتمع وازدهار مؤسسات الخدمة العامة وتنأى عن استعباد الفرد لخلق رأس المال ولتوفير ممكنات نمو القطاع العام.
   ولد البعث لتولد معه العلاقة الجدلية الحية بين تناقضات التجزئة والتخلف والفقر والجهل وغياب الدور في إطار ولادة علاقة عضوية للحلول المتكاملة هي الأخرى دون انغلاق أو تخشب أو تحجر عند ضفاف الواقع القطري المفروض على امتنا ولا قفزا على هذا الواقع تماما كما أفرزت تجربة الحزب الرائدة في العراق 1968-2003، حيث برهن الحزب كطليعة ثورية عربية قومية وحدوية على قدرات فذة في نقل العقيدة والفكر المعبر عنها في جغرافية العراق لإنتاج نظرية عمل بعثية أنتجت بلدا متطورا مزدهرا قادر على حماية نفسه وحماية منجزاته، وقادر على عبور الحدود القطرية لخدمة أقطار العرب الأخرى بصيغ عمل وحدوي اقتصادي وتجاري وتربوي وتعليمي وتنموي مبدعة وخلاقة. ورغم إن التجربة البعثية القومية في العراق قد صارت هدفا لكل أنواع التآمر الإقليمي والدولي ومن قبل أنظمة عربية خاضعة لإرادة الامبريالية والصهيونية إلا إنها دافعت بشراسة وضراوة عن ثوابت العقيدة وثوابت الاستقلال الوطني والقومي وأمدت النهج القومي العروبي الوحدوي التحرري بمقومات مد عظيمة، ومن بين ذلك إنتاجها لأعظم مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الأمريكي والتي صارت منبعا لعزة العرب وبياضا لوجوههم ورافعة لشأنهم واعتبارهم ومنطلقا لثوراتهم ضد الأنظمة المستبدة المتخاذلة.  
      يمثل البعث بعفوية وصدق وأصالة تطلعات العرب من المحيط إلى الخليج ويمتلك مقومات النواة القومية العقائدية والميدانية لتشكيل جبهة العمل القومي العريضة التي تضم القوى الوطنية والقومية واليسارية التي بوسعها أن تخوض غمار الجهاد العربي للانقلاب الثوري على واقع العرب المصاب بآفات التخاذل وانحطاط الإرادة والدور الإنساني وتراجع القدرات الإبداعية والإنتاجية وتفشي مظاهر الكسل وعدم احترام الزمن والسلبية في التعاطي مع القدرات الاقتصادية الهائلة للأمة وانعدام الوزن في المنظومة الدولية وتشتت الإرادة الضامنة لاستثمار الفضاء الجغرافي العظيم للعرب والانشغال بتحقيق الإرادات والأجندات  الخارجية على حساب العمل الجاد على رفع كفاءة الإنسان المادية والمعنوية والاستعداد المفجع للسقوط في مهالك التشرذم العرقي والطائفي التي عبرها البعث بدستوره وعقيدته الشاملة الجامعة تحت خيمة العروبة الإنسانية المكللة بمكارم أخلاق الدين وقيم الإيمان عموما. فالبعث تخطى باقتدار فكري وعقائدي فذ مطبات الطائفية وتسييس الدين كمكونات للاستخدام المعادي للأمة والمشرذمة لإرادة أبناءها حين ربط ربطا جدليا راقيا بين العروبة وبين الإسلام ومارس قيم وأخلاق العلاقة الجدلية العضوية بينهما .
     لقد نجح البعث في خلق الصلة المعاصرة بين الإسلام كدين رباني لمعظم العرب وبين العروبة كوعاء انساني ولد الإسلام من رحمها وترعرع ونما وانتشر في ربوعها و وانتشر من تخومها إلى كل أرجاء المعمورة. نجح البعث في الخروج كحركة سياسية قومية وضعية من بين ثنايا روح الإسلام ليتصدى لانبعاث امة الإسلام ورافعته الأولى , الأمة العربية, دون أن يعتدي على الدين أو يثقل كاهله بزجه في متطلبات وحيثيات الدولة العصرية كتشكيلات خدمية ومنظومة حماية أمنية وقانونية للبلد.
    ورغم إن قوى الرجعية والطائفية السياسية ومَن يسندها من خارج الوطن الكبير قد وضعت ثقلا غير عادي في مقاومة البعث ومنهجه الثوري التقدمي ومقاومة قدراته العظيمة في النفوذ إلى طيات المجتمع العربي ووظفت قوى ردة من داخل البعث وخارجه لتمزق الوحدة القومية المتمثلة في دستور وتنظيم البعث القومي الوحدوي غير إن الحزب وبحكم مبادئه الأصيلة وجذوره المنبثة من عمق واقع الأمة وتطلعها وإرادتها قد تمكنت من تجاوز الكثير من المحن والكوارث التي تعرّضت لها وانتصرت في وقائع خالدة منها قادسية صدام المجيدة التي صدّت وحمت العرب، وعلى مدى سنوات طوال من مد الطائفية الفارسية المجرمة وفي معارك المواجهة مع الامبريالية والصهيونية في أم المعارك ومعركة الحواسم ضد التحالف الدولي الذي قادته أميركا والصهيونية والصفوية الفارسية. وها هو البعث العظيم يتواصل في مسيرة الجهاد والكفاح لحماية الأمة ومقدراتها وآمالها في الوحدة والانعتاق والتحرر عبر مقاومة مسلحة باسلة انطلقت متداخلة مع وقائع الغزو الأمريكي الإيراني المجرم عام 2003 وتمكن بتضحيات جسام وبطولات أسطورية تمنحه فرصة تاريخية نادرة وتمنح القوميون والوطنيون والإسلاميون الوسطيون واليساريون فرصة نادرة للانطلاق في مواجهة مشاريع التفتيت الجديدة والمتمثلة بتمكين وتقوية الإسلام السياسي وأحزاب الطوائف لفرض واقع تجزئة جديد يمعن في تمزيق الجسد القطري الذي فرضته معاهدات سايكس بيكو سيئة الصيت.
    إن البعثيين وهم يحتفلون بالذكرى الخامسة والستين لميلاد الحزب المناضل يقفون بإجلال وإكبار أمام تضحيات وجسارة البعث وقيادته الفذة ويحيّون شهيد الحج الأكبر أمين عام البعث صدام حسين رحمه الله الذي سجّل للعراق وللأمة وللبعث مآثر بطولية تفتح أبواب العمل والنضال لتحقيق أهداف الأمة ويقفون بمحبة وإجلال وإكبار أمام الشهداء رفاق صدام حسين ورفاقه الأسرى والمعتقلين، ويستمدون من مواقفهم المبدئية الثابتة عناصر الإقدام والتواصل حتى تتحقق مهام الرسالة الخالدة بعزم رجال الرسالة وصمودهم. كما إنهم يعانقون في كل أقطار الوطن وعبر تنظيماتهم الباسلة في كل أرجاء الأمة مقاومة البعث المسلحة الباسلة خصوصا والمقاومة العراقية المسلحة عموما ويرون فيها ويتعاطون مع حراكها على إنها مضمون ربيع الأمة الحقيقي ومثابات الانطلاق نحو تحقيق غايات العرب بتغيير الأنظمة المستبدة المنبطحة المتخلفة الدكتاتورية المنهزمة والانطلاق بآفاق ثورة الانقلاب الشامل على الذات المستلبة المغيبة والارتقاء بواقع الحياة نموا وازدهارا.
    ولعلّ من المهم أن نؤكد كمناضلين في الحزب أن البعث موحد في مبادئه وعقيدته وان عناصر الردة والانشقاق المعروفة لم و لن تكون سوى نتوءات ستزول عاجلا أم آجلا لأنها فشلت رغم تكرارها وتنوع مراميها وقواها الساندة الخبيثة المختلفه في تقديم رؤى أو مبادئ أو تطبيقات ميدانية تمنحها حق البقاء أو الشرعية  وكلها تساقطت بتحالفاتها المشبوهة مع أعداء الأمة و بسبب نهجها الاستسلامي الخارج والمتعارض مع ثوابت البعث الوطنية والقومية. ونرى أيضا إن البعث يمتلك القدرات القيادية الفذة التي بوسعها أن تستلهم من بطولات وثبات قيادة العراق الشهيدة أو الأسيرة وان تنتصر بإرادة المقاومة المسلحة وتنظيمات البعث الباسلة في العراق لتبرهن على أصالة البعث وحيويته الدائمة.
     إن مهمات قيادة النهج القومي الوحدوي التحرري والانفتاح على قوى الأمة الثائرة وخلق الائتلاف القومي الواسع وتفعيل روح الكفاح الشعبي المسلح وتجديد الفكر انطلاقا من منابعه الأصيلة والمراجعة الدائمة بما يضمن نقدا صارما وموضوعيا لما جرى ويجري وبروح ثورية ترتكز إلى العفة والطهر والنقاء وإدامة التمسك بثوابت الأمة في رفض الاستعمار بكل أنواعه ومحاربته بكل الوسائل ورفض الاستقواء بالأجنبي والتصدي الحازم لقوى الرجعية وتحالفاتها المشبوهة التي ظهرت سافرة بعد احتلال العراق وسقوط سد الحماية القومي بقوة الغزو الغاشمة هي مرتكزات عمل المرحلة القادمة التي ينتظر شعبنا العربي وقواه المجاهدة من البعث أن يتصدى لها ويحرك مكامن قوتها ويعضد ارتكازاتها.
    سيبقى نموذج سيد شهداء العصر صدام حسين رحمه الله نموذج الشخصية الرسالية للبعث وللبعثيين.
  النصر حليف القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني أمين عام البعث الرفيق المجاهد عزة إبراهيم.
  النصر لجحافل البعث التي تواجه الموت والاعتقال وقطع الأرزاق والإقصاء والتهجير في عراق العز والثبات والوعد الحق والشموخ الأبدي لرجال البعث في كل أقطار العروبة حيث يحركون مفاصل العرب نحو أهداف الأمة ورسالتها الخالدة والله اكبر.

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار