الخميس، نوفمبر 06، 2008

لماذا فاز أوباما؟


! / د. محمد مورو

التاريخ: 6/11/1429 الموافق 05-11-2008
المختصر /
هل كان فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية مجرد تحصيل حاصل, بمعنى أن الأخطاء التي اقترفها الجمهوريون في فترتي رئاسة جورج بوش كانت كفيلةً بالإطاحة بأي مرشح جمهوري، والإتيان بالضرورة بمرشح ديمقراطي, بل وكذلك كونجرس ديمقراطي...هذا صحيح إلى حد بعيد.
أَضِفْ إلى ذلك أن الفترة الأخيرة في المرحلة قبل النهائية من الانتخابات جاءت بأزمةٍ اقتصادية طاحنة, كَرَّسَتْ من جديد فشل الجمهوريين، بل وفشل مدرسة عدم تدخل الدولة في الاقتصاد أو الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي وَفْقًا لمدرسة كاليفورنيا التي كانت تزعم أن السوق يُعَدِّلُ ويُصَحِّحُ نفسه في تلك الأزمة .
وهكذا فإن الرئيس الأسود قد فاز, وأصبح رئيسًا أَسْوَدَ لبيت أبيض , وهو تَغَيُّرٌ هامٌّ ونوعي داخل أمريكا وخارجها، وله تأثيره المباشر وغير المباشر على السياسية الأمريكية .
المسألة إذن يمكن وصفها على أساس أن أي مرشح ديمقراطي كان سيفوز على المرشح الجمهوري , سواء كان أسود أو أبيض , رجلًا أو امرأة , ومن ثم فإن فوز أوباما الحقيقي كان على السيدة هيلاري كلينتون, وهي كانت المعركةَ الأَصْعَبَ بالنسبة له داخل الحزب الديمقراطي ذاته , خاصةً أن جميع القوى والشخصيات الديمقراطية الهامة، ما عدا بعض الاستثناءات، قد يُحْدِثُ ضعف أوباما في معركته مع جون ماكين المرشح الجمهوري .هل يرجع فوز أوباما رغم كونه أسود, ورغم استخدام بعض الإيحاءات العنصرية ضده أثناء الحملة الانتخابية, سواء داخل الحزب الديمقراطي مع السيدة كلينتون, أو أثناء الحملة الرئاسية مع المرشح الجمهوري.
هل يرجع ذلك إلى أن الرجل يمتلك كاريزما خاصة، وأنّ له جاذبية, وأنه استطاع أن يُحَرِّكَ قطاعاتٍ واسعةً من الجيل الجديد خلفه.
كل هذا يمكن أن يكون صحيحا, ويمكن أيضا أن يكون قد صُنِعَ له من قِبَل أجهزة هامة وقادرة على صنع الكاريزما بالدعاية , والإيحاء بجاذبية الرجل، والمساعدة في حَشْدِ الجيل الجديد خلفه بالوسائل الإعلامية وبالدعم المالي, وهذا كُلُّهُ لا ينقص من قدرات الرجل الشخصية.والحقيقة أن تلك الأجهزة، وهي التي تحدد عادة من سيفوز في الانتخابات الأمريكية وجدت ضالتها في باراك أوباما , فَدَفَعَتْهُ وشجعته ومَوَّلَتْهُ، دون أن يدري, أو يدري !!وكان لذلك أسباب قوية وهامة ومحورية, فالولايات المتحدة كانت تعاني من هزيمتين استراتيجيتين في العراق وأفغانستان، ومشروعها الإمبراطوري قد تعثر , فضلًا عن إحساس تلك الأجهزة بوجود أزمة اقتصادية طاحنة, وأنّ تلك الأزمة لا يمكن تفاديها.وإذا كان من الضروري تغيير استراتيجية وسياسة الولايات المتحدة , في الخارج والداخل , فإن شخصًا أو رئيسًا عاديًّا إذا قام بذلك فإن الجميع في العالم سيقول: هذا اعتراف أمريكي بالهزيمة.. وهو أَمْرٌ له ما بعده على مستوى مستقبل أمريكا وتجرؤ الآخرين عليها , والإحساس بالثقة لدي القوى والشعوب المناهضة لأمريكا.أما إذا جاء شخص اسمه باراك حسين أوباما، أي ذو جذور إسلامية، وسوداء , رغم كونه أصبح بروتستانتيا، ويحمل القيم الأمريكية التقليدية, فإن صفاته الأولى ستجعله إذا غَيَّر استراتيجية أمريكا هنا أو هناك، ستجعل من الممكن القول أن ذلك لأسباب كان لأسباب أخلاقية، وليس اعترافًا بالأمر الواقع، أو هزيمة أمريكا.والصفات الثانية، بمعني تبنيه لنفس القيم الأمريكية يجعله في النهاية مثل الآخرين، ويمكن توجيهه حيث تريد الأجهزة الأمريكية الحاكمة , وهو لن يخرج عليها، أو يُحْدِثَ ثورة داخل الإدارة الأمريكية وهكذا تخرج المسالة وكأنها ذات بواعث أخلاقية ومن ثم تفادي إحساس الآخرين بالثقة تجاه أمريكا أو شيوع الإحساس بهزيمة أمريكا لدي شعوب العالم , والمحصلة هي تفادي الآثار الكارثية لهزيمة أمريكا .ومن ناحية أخري فإن انتخاب رئيس أسود لأول مرة في تاريخ أمريكا, سيصبح نوعًا من تقديم وجه جديد لأمريكا, فأمريكا ذات السمعة السيئة في العالم، والتي يشعر الجميع بكراهيتها قد تتغير, ومن ثَمَّ لا يجب معاملتها على أساس الممارسات أو الشكل الأول، بل هناك شكل جديد لأمريكا , يصلح أن يكون نموذجا ونبراسًا, وقادرة على تغيير نفسها إذا أخطأت، وهكذا فإن الأجهزة التي دفعت بأوباما إلى الرئاسة أرادت أن تحقق هذه المعاني بمساعدته في الوصول إلى البيت الأبيض، أو بكلمة واحدة , فإن أوباما لا يغسل أكثر بياضًا.
وإذا كانت أمريكا قد هُزِمَتْ، أو على الأقل تعاني من متاعب كبيرة في حربها ضد الإرهاب الإسلامي، وذلك بسبب وجود مدد دائم من المسلمين لقوى الإرهاب، نتيجةَ وجود إحساس لدي المسلمين بأن أمريكا ظلمتهم كثيرا، واستهدفتهم كثيرا , فإن وجود رئيس ذي أصول أسلامية مثل أوباما يمكن أنْ يُخَفِّفَ هذا الأمر، ويُقَلِّل التأييد للقوى الإرهابية الإسلامية داخل صفوف المسلمين, وهو الهدف الأكبر بالطبع في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب ,قطاعًا، وإذا كان هناك قطاعات جديدة من المسلمين تنخرط في الإرهاب، فإن كل قوة أمريكا ونفوذها لن تفعل شيئا, وأما إذا تم تخفيف تلك المنابع بإعطاء رسالة للمسلمين بأن الرئيس الأسود ذا الجد المسلم قادِرٌ على التفاهم معهم، وراغِبٌ في ذلك, وليس متغطرسًا ولا جبارًا مثل جورج بوش, فإن الأمر سيختلف كثيرا .
ولهذا.. فاز أوباما !!

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار