الخميس، نوفمبر 06، 2008

تأكيد : الصراع الامريكي – الايراني ماهي طبيعته ؟ ( 2- 2)


صلاح المختار
لتأكل نارهم حطبهم
مثل عراقي
ب - ان جوهر المشروع الفارسي الثابت ، منذ فرض الاسلام على ايران وتدمير الامبراطورية الفارسية وحتى الان ، هو خطة تدمير ما اسمته النخب الفارسية وقتها ب ( تدمير ملك العرب ) بكافة الوسائل والطرق ، بما في ذلك التقيّة ، والتي تعني العمل السري المموه والمنظم ، والحرب . وهذا المشروع لم يتغير من حيث الجوهر منذ فرض الاسلام على بلاد فارس . لذلك لم تكن صدفة ان مشروع الشاه الامبراطوري قام على محاولة ضم اقطار عربية الى الامبراطورية الفارسية الجديدة على اساس انها كانت ، في وقت سابق ، خاضعة للاستعمار الفارسي ، كما لم يكن غريبا ان يقوم المشروع الامبراطوي الفارسي في زمن خميني على نفس الاساس : تدمير ملك العرب وغزو الاقطار العربية ، هذه المرة تحت شعار مضلل وصهيوني الجوهر وهو ( نشر الثورة الاسلامية ) ! والمفارقة البارزة هنا هي ان من نجح في تدمير ( ملك العرب ) في العراق ليس الشاه الافندي الغربي بل اتباع خميني الذين استبدلو الدعوة القومية الفارسية المباشرة للشاه بدعوة دينية زائفة اولا ، ثم بدعوة طائفية شكلية لاجل اخفاء الهدف القومي لخميني ثانيا !
وهذا المشروع الفارسي ، بنسخته الاسلاموية الحالية ، هدفه اقامة امبراطورية قوية باسم الاسلام وليس باسم امة فارسية كما فعل الشاه ، نتيجة تجربة عميقة وادراك اعمق لمخاطر الشعارات القومية الفارسية العلنية في زمن الشاه والتي افشلت المشروع القومي الايراني ، وهذه الامبراطورية المتسترة باسم اسلام فارسي ، وان كانت تطمح بحكم كل العالم الاسلامي ، الا ان امريكا والصهيونية يعلمان بان نجاح ايران بتحقيق الحلم الامبراطوري محض اوهام ستتبخر بعد ان تنجز ايران واجبها القذر ، وهو تفتيت الامة العربية قطرا بعد اخر ، وتمزيق العالم الاسلامي الى شيعة وسنة يتصارعون حتى الموت وليس حتى انتصار احد المذهبين ، مادام العالم الاسلامي لا يشكل كتلة متجانسة ويمكن التحكم بها من قبل طرف واحد فقط وبغض النظر عن قدرته واساليبه بل هو ( ثور هائج ) من المستحيل السيطرة عليه لا باسم الاسلام ولا باي اسم اخر . وتلك هي اهم مظاهر واهداف خطة ( الفوضى الخلاقة ) .
ان الدعم الغربي – الصهيوني للدور الايراني الحالي يستبطن هدفا واضحا بعيدا ، وهو امكانية استخدام ايران في ذبح الاقطار العربية والقومية العربية ، تماما مثلما استخدمت ايران امريكا لذبح العراق ، وفي النهاية لن تكون هناك امبراطورية اسلامية ايرانية بل دولة ايرانية علمانية قوية وتتقاسم النفوذ مع اسرائيل وتركيا في ظل نظام شرق اوسطي جديد وواسع !
ان امريكا والكيان الصهيوني يريان ، كما تؤكد الوقائع والاعترافات الامريكية – الصهيونية وبصواب تام ، بان ايران تقوم بدور كان يجب ان تقوما به لكنهما فشلتا وهو شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية ، لذلك لا بد من فسح المجال لايران لتحقيقه مادامت قاردة عليه ، ومكافئتها بفوائد تحددها امريكا وليس ايران ، وهو امر يدفع ايران الى خوض لعبة عض اصابع ، او ممارسة ضغوط على امريكا ، في العراق مثلا ، لاجل توسيع وزيادة الثمن الذي تريده مقابل ذبحها للعراق ونشرها للفتن الطائفية في الاقطار العربية . هنا نرى بوضوح تام بان النزعات الامبراطورية الفارسية تلتقي وتندمج مع التوسعية الامبريالية الامريكية والصهيونية .
يحب دائما ان لاننسى حقيقة تاريخية تؤثر بصورة جوهرية في السياسات الايرانية الثابتة ، وهي ان الحقد الفارسي على العرب نشأ بسبب اسقاطهم لامبراطورية فارس ، وزاد ذلك الحقد بفشل النخب الفارسية ، البرامكة مثلا ، في تحقيق احد اهم اهدافها القومية وهو التسلل الى داخل الدولة الاسلامية لاجل السيطرة عليها من الداخل ، كما فعلو مع الدولة العباسية ، واقامة امبراطورية فارسية تتبرقع باسم الاسلام . وتفاقمت ( العقدة الفارسية ) بعد ان نجح العرب والاتراك في اقامة امبراطوريتين باسم الاسلام ، في حين ان الشعب الاسلامي الثالث الكبير ، وهو الشعب الفارسي ، لم يحقق حلم اقامة امبراطورية باسم الاسلام ، رغم كل الجهود والمؤامرات الطويلة والدقيقة التخطيط .
انها عقدة الفشل التاريخية التي تتحكم في النخب الشوفينية الفارسية عند تعاملها مع العرب ، ولم يخفي هاشمي رفسنجاني هذه الحقيقة حينما قال ، بحقد واضح على العرب والاتراك ، بانه يستغرب من رفض العرب قيام دولة اسلامية بقيادة ايران رغم ان الاتراك والعرب اقامو دولتين باسم الاسلام ! تراكم الاحقاد الفارسية المعمقة على العرب نتيجة للفشل ، هو ما دفع النخب القومية الفارسية للعمل على تهديم ملك العرب في العصرين الاموي والعباسي ، وطرد الترك من الاقطار العربية ، لاجل اقامة امبراطورية جديدة فارسية الروح والجوهر لكنها تتستر باسم اسلام اخر مختلف عن اسلام عظيمنا محمد ( ص ) .
ج - وهنا يجب ان نوضح مسألة مهمة جدا وهي ان النخب القومية الفارسية تخطط بدهاء وخبرة لقرون طويلة تماما كالصهيونية ، وهي واقعية ايضا لانها تقبل بالامر الواقع الذي لا تستطيع تغييره ، لكنها تبقى تعمل على ذلك دون كلل او يأس ، متبعة اسلوب ( خذ وطالب ) ، اي الحصول على اقصى ما يمكن الحصول عليه من مكاسب اقليمية او في النفوذ في كل مرحلة . وفي هذه المرحلة من تأريخ العالم فان النخب الفارسية ، وعلى راسها علي خامنئي ، تعرف ان العالم واقع تحت تأثير قوى عديدة اهمها الولايات المتحدة وهي لذلك لا تستطيع تحقيق الطموح القومي التقليدي لها ، وهو اقامة امبراطورية على كامل اراضي العالم الاسلامي ، ومنه تحاول ان تسيطر على العالم ، او على الاقل ان تكون لاعبا رئيسيا او قوة عظمى في العالم . فما العمل ؟ الحل البراغماتي الايراني هو اللجوء الى المساومات مع من تختلف معهم من القوى الاستعمارية الاخرى على حساب العرب !
ونتيجة لذلك فان ايران في هذه المرحلة لا تتبنى اهدافا تتناقض جذريا مع الستراتيجية الامريكية ، القائمة على الهيمنة على نفط واسواق العرب ، والستراتيجية الصهيونية تجاه الامة العربية ، القائمة على السيطرة على منطقة ما بين الفرات والنيل لتاسيس اسرائيل التوراتية وجعلها شرطي اقليمي يحمي مصالح الغرب الستراتيجية ، بل ان ايران تعمل في اطار تقاسم جغرافي للارض العربية بينها وبين والكيان الصهيوني ، يتمثل في ان الخارطة الايرانية التوسعية تنتهي حدودها الامبراطورية عند الضفة الشرقية لنهر الفرات في العراق ، بينما تنتهي حدود الكيان الصهيوني ، طبقا لهدف اقامة ( اسرائيل التوراتية ) ، عند الضفة الغربية لنهر الفرات في العراق ، مما يعني بوضوح تام ان خط نهر الفرات في العراق هو الحد الفاصل بين الامبراطوريتين الفارسية والصهيونية .
وبفضل نزعتها البراغماتية الذكية والحكيمة ، فان ايران تتبنى اهدافا مرحلية متواضعة مثل نشر التشيع الصفوي اعلاميا وثقافيا ، والحصول على اعتراف امريكي بايران كقوة اقليمية عظمى ومنحها حصة ، ولو ثانوية في الغنائم ، وما تبقى قضايا يمكن التفاهم حولها . لذلك فان ايران تختلف مع امريكا واسرائيل حول امور ثانوية ، لكنها تقبل باللقاء معهما حول قاسم مشترك وهو ( تدمير ملك العرب ) ، ذلك الهدف القومي الفارسي العتيق والثابت منذ فجر الاسلام وحتى الان ، وهو ايضا اهم اهداف الصهيونية . هنا يكمن ( السر الاعظم ) في عدم نشوب حرب بين ايران وامريكا وبين ايران واسرائيل لمدة ثلاثة عقود من التوتر المستمر ورغم حدة الحملات الاعلامية بينهم ، بل على العكس فان القاسم المشترك الستراتيجي بينها هو الذي سمح بحصول ايرانجيت واسرائيلجيت ، اي تقديم الدعم العسكري والاستخباري الامريكي - الصهيوني لايران اثناء شنها الحرب على العراق في الثمانينيات ، في ذروة صراع الديوك الامريكي – الايراني !
د – واخيرا وليس اخرا فان المفتاح الاساسي لانجاح المخطط الصهيوني الامريكي في الوطن العربي ، وهو مخطط بريطاني ايضا ، يقوم على فكرة بسيطة وواضحة وهي : ان القدرة على تحقيق سايكس – بيكو الثانية ، اي تقسيم الاقطار العربية على اسس دينية وطائفية وعرقية ، ترتبط مباشرا بدور حاسم لابد منه لايران في تنفيذ هذا المخطط . لقد فشلت بريطانيا بشكل عام حينما كانت زعيمة الاستعمار في تنفيذ ( سياسة فرق تسد ) ، وجاءت امريكا واسرائيل بخطة مدروسة ومعمقة تقوم على شرذمة الاقطار العربية على اسس عرقية - عنصرية للتخلص من الاصرار العربي على تحرير فلسطين ومنع اقامة اسرائيل الكبرى وتأميم النفط العربي ، لكنهما فشلتا ايضا لان الشعب العربي في كل اقطاره يعرف بوضوح تام بان امريكا والكيان الصهيوني معاديان له ولمطامحه وحقوقه ، الامر الي ولد حصانة مبدأية ضدهما لدى العرب ، وادى ذلك الى منع تحقيق نجاح ملموس في اثارة الفتن الطائفية ، وان نجحتا في العثور على عناصر تتمرد على اسس عرقية مثل التمرد الكردي في شمال العراق .
من نجح فقط في أثارة فتن طائفية في اقطار عربية ؟ انها ايران وليس غيرها ، لان لها اذرعا بعضها عربي الاصل مثل حزب الله في لبنان ، وبعضها فارسي الاصل مثل التيار الصدري وحزبي الحكيم والمالكي ، وبواسطة هذه الاذرع نجحت ايران فيما فشلت فيه بريطانيا وامريكا والكيان الصهيوني .
من هنا فان ايران وهي تلعب دور المفتت للوحدة الوطنية للاقطار العربية تقدم الخدمة الاعظم للمخطط الامريكي- الصهيوني ، وهي خدمة تستحق ايران بسببها دعما مغريا وتجاهلا وتحملا لحماقاتها ، بل وتشجيعا لها على المزيد من الحماقات مادامت تلحق الضرر بالعرب فقط . وبمقارنة بسيطة بين الاضرار التي نجمت عن اثارة ايران لفتن طائفية في اقطار عربية لم تكن توجد فيها طائفية ، وهي اضرار تخدم امريكا والكيان الصهيوني ، بالمشاكل التي تثيرها ايران وبالاثمان التي تطلبها من الامبريالية والصهيونية نلاحظ بلا ادنى شك ان ايران تعد الخادم الامثل للخطط الصهيونية الامبريالية رغم انها تعمل ايضا واساسا لتحقيق اهدافها هي في الوطن العربي . مرة اخرى نؤكد : هذا التلاقي الستراتيجي الامريكي – الصهيوني مع الستراتيجية الايرانية التقليدية هو الذي يفسر سر عدم نشوب حرب بين ايران والامبريالية او مع الكيان الصهيوني . ان الذخيرة الستراتيجية الاساسية للصهيونية وامريكا في تحقيق شرذمة الاقطار العربية هي ايران الملالي وليس غيرها . ذلك هو احد اهم دروس وحقائق العقود الثلاثة الاخيرة .
4 – ولغلق باب الاجتهاد حول الموقف الامريكي من ايران يجب ان نذكّر بحقيقة رسمية امريكية وهي ان كل الستراتيجيات الامريكية ، التي تم تبنيها تجاه الوطن العربي وما يسمى ب ( الشرق الاوسط ) ، اي الوطن العربي زائدا ايران تركيا ، لاتضع ايران خميني وتابعه خامنئي في خانة العدو الرئيسي بل تعدها ( دولة مارقة ) يمكن احتواءها بالحوار والضغوط وليس بالحرب او باسقاط النظام ، اما موقف نفس الستراتيجيات من العراق فهو انه قطر ( مارق ) ومن غير الممكن التحاور معه او الوصول الى حل سلمي معه بالضغوط او الاغراءات بل يجب اسقاط نظامه بالقوة . أقرأو سياسة ( الاحتواء المزدوج ) التي تبنتها ادارة بيل كلنتون تجاه العراق وايران ، واقرأو ( سياسة محور الشر ) التي تبنتها ادراة بوش تجاه العراق وايران وكوريا الشمالية ، ستجدون هذه الحقيقة الرسمية والتي نفذت في الواقع بصيغة انزال اهمية كل من ايران وكوريا الشمالية الى مستوى البلدان اللذان يشاكسان ولا موجب لشن حرب عليهما بل من الضروري اجتذابهما وعقد صفقة معهما ، اما العراق فهو وحده من تعرض للغزو المسلح بعد حرب شرسة شاملة أبتدأت في عام 1991 ومازالت مستمرة حتى الان . الا يعني هذا الواقع شيئا جوهريا قدر تعلق الامر بطبيعة اطراف الصراع الاقليمي والدولي ؟
تأكيد ختامي
في ضوء ما تقدم فانه من المستحيل تفسير ظاهرة تصاعد حدة عراك الديوك الايرانية – الامريكية الان وعدم وقوع اطلاق نار بينهما ، وحصول العكس وهو اطلاق نيرانهم المشتركة ( الامريكية – الصهيونية – الايرانية ) على العراق والامة العربية الا اذا تذكرنا بان المشروع الايراني الفارسي لا يتناقض مع المشروعين الامريكي الامبريالي والصهيوني ، بل أنه يكملهما ويخدمهما ويقوم ببعض اهم واجباتهما ، ولكن في اطار تنافس وخلافات حول تقاسم المنافع . هل هذا غريب ؟ طبعا لا فهذا الخلاف وذاك الاختلاف يقعان حتى بين امريكا والكيان الصهيوني في حالات عديدة ، مثلا الخلافات حول صفقة الايواكس في الثمانينيات ، والخلافات الحالية حول رد الفعل تجاه الحملات الايرانية ضد امريكا والكيان الصهيوني . من دون تذكر هذه الحقيقة لن ننجح في فهم تكيتيكات ومناورات الاطراف الثلاثة المعادية للامة العربية وهي امريكا والكيان الصهيوني وايران ، ففي النهاية الاذكياء في العالم لا يقعون في فخ الانخراط في حروب من اجل قضايا ثانوية بل هم يعرفون ، بحكم الذكاء والتجربة ، بان العدو المشترك للاطراف الثلاثة المذكورة هو حركة التحرر القومي العربية ، ولذلك يجب توجيه كل البنادق والامكانات الاساسية ضد القومية العربية ، وابقاء جهد ثانوي لمعالجة خلافات ثانوية بين متحالفين او متلاقين عند قاسم مشترك .
الان يمكن تفسير التصعيد الامريكي – الايراني حول الاتفاقية الامنية على انه بالاساس صراع بين لصين استعماريين اختلفا حول تقاسم الغنيمة فاحدهما ، وهو امريكا ، يريد الكعكة الاساسية له ويقدم للثاني وهو ايران الفتات ، في حين ان الثاني ، وهي ايران ، تريد زيادة وتوسيع حصتها بقدر الامكان ، ولكن لا الاول يقبل بالتراجع عن ما حققه من مكاسب في العراق ، لانه موضوع مصيري ، ولا الثاني يريد فقدان فرصة وضع امريكا في الزواية في العراق من اجل اجبارها على الاعتراف بايران كقوة اقليمية مقررة وفاعلة ولها مناطق نفوذ معترف بها مثل العراق والبحرين والخليج العربي .
ان اللصوص اذا تصارعو على الغنيمة فان ذلك لا يجعل اللص الاصغر قديسا يجب احترامه تلقائيا بل يبقى لصا ، مادامت اللصوصية طبيعة بنيوية وليست انحراف عابر في المشروع الامبريالي الايراني الحالي . والان الا ترون معي ان المثل العراقي الذي يقول ( لتأكل نارهم حطبهم ) هو التعبير الدقيق عما يجري الان ؟ نعم والف نعم لتأكل نيرانهم حطبهم وليذهبو كلهم ، النخب الامريكية والايرانية والكيان الصهيوني ، الى الجحيم بعد ان دمرو العراق وابادو اكثر من ثلاثة ملايين عراقي وشردو وهجرو ستة ملايين عراقي .
2 / 11 / 2008

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار