الأربعاء، أغسطس 06، 2008

دولة ورجال زمان الاحتلال

المعلّق السياسي:تعتب
تعكس المهزلة الحالية بين الأحزاب المنضوية في العملية السياسية للمحتل الأمريكي في العراق حالة نادرة من العمل الوطني بالمفهوم السياسي. فالمعروف في أبسط كتب السياسة أنّ أية دولة أو نظام حكم حتى في أكثر الدول المتخلفة يتعرض للتصدّع والانهيار ما لم تضع القوى السياسية المعنية بإدارة شؤون البلاد المصالح العامة للشعب والبلاد في أعلى قائمة مهامها الوطنية. وهذا الأمر يصحّ حتى في ظل وجود محتل أجنبي كما هو الحال في العراق. وقد سبق له أن نجح في بلدان متقدمة محتلة مثل كوريا واليابان وألمانيا وهو ما تشدّقت به الولايات المتحدة الأمريكية مرات ومرات. ولكن الفرق بين تلك الدول والعراق هو أنّ القوى المحلية التي تصدّت للحكم والبناء وإعادة الإعمار في ظل الاحتلال هناك كانت قوى وطنية حقيقية قلبها وهمّها هو الوطن وكيفية إنقاذه من ورطة الاحتلال الأجنبي. فنشاط القوى المشاركة في العملية السياسية يتطلّب بالضرورة توجيه الجهود اولاً نحو إنجاح هذه العملية مهما ضعفت روحها الوطنية. لأنّ تصدّعها يعني تصدّع كل المشروع الوطني وبالتالي انهيار الأوضاع وضياع الوطن. وبالطبع المحتل هو محتل أجنبي عن البلاد لابدّ له أن يرحل في يوم من الأيام فتقع مسؤولية البلاد على الشعب أولاً وأخيراً. أما في حالة العراق فالمحتل الأمريكي جاء لامتلاك العراق وجلب معه مجموعة الأحزاب التي كانت تعتاش كالطفيليات على المساعدات المالية والسياسية لبلدان المهجر التي تقيم فيها ولا تعرف ما هي المسؤولية الوطنية وما هو الحكم الوطني وما هو الهمّ الوطني وكيفية التعامل مع شعب عريق مختلف القوميات والأديان والطوائف، ناهيك عن كون الكثير منهم ليس عراقياً أصلاً. إنّ الأحزاب والجماعات العاملة حالياً مع المحتل الأمريكي في العراق لا تشبه في أي شيء ما يمكن أن يدرس كحالة عامة في السياسة. فهؤلاء خليط غريب عجيب من الأشخاص والجماعات التي تكره بعضها البعض حتى ضمن المجموعة الواحدة. وليس فيهم على الإطلاق من يفكّر في العراق كوطن واحد وشعب واحد أو أرض واحدة أو ثروة واحدة. المصالح الوطنية لديهم تبدأ أولاً كطموحات شخصيّة وعائلية وقبلية وحزبية وولاء أجنبي... ثم يأتي العراق والشعب العراقي باعتبارهم مسرح الأحداث والفضاء الذي يتحركون فيه ليس غير. وقد اكتشف (بول بريمر) الحاكم المدني الأمريكي للعراق بعد الاحتلال هذه الحالة. لمدة عام كامل فشل (بريمر) في قيادة القطيع من 25 شخصاً في مجلس الحكم وتوجيههم نحو اتخاذ القرارات وقيادة عملية الحكم بشكل فيه نوع من الاستقلالية ولو شكليّة. فعلى سبيل المثال عندما أراد (بريمر) وضع آلية لقيادة مجلس الحكم من بين أعضاءه وجدهم منقسمون شذر مذر وغير قادرين على وضع أية آلية للقيادة. فوضع لهم آلية خاصة تقضي باختيار تسعة منهم يتبادلون الرئاسة فيما بينهم. ثم طلب من هؤلاء التسعة التناوب فيما بينهم على القيادة فوجدهم عاجزين حتى عن وضع أية آلية للتناوب، فاختار لهم آلية التناوب حسب الحروف الأبجدية لأسمائهم الأولى. وكان كلّما عرض على المجلس مشروعات للدراسة والتقييم واتخاذ القرار وجدهم عديمي الاهتمام ومتسيبين بشكل عجيب. فكان يفرض عليهم البقاء حت ساعات الصباح الأولى ويرفض السماح لهم بالخروج قبل اتمام العمل المطروح أمامهم. يتعذرون بأتفه الأعذار للخروج من الاجتماعات. لذا قال عنهم أنّهم لا يصلحون لأبسط المهمات. وحتى هذه الأيام وفي خضّم الصراع على قانون الانتخابات في برلمان الاحتلال يقول محمود عثمان أحد القياديين الأكراد في معرض تعليقه على ما يسميه الاستعجال الأمريكي:

"الاستعجال الأمريكي في إصدار قانون الانتخابات أمر غير مبرر لأن الكتل السياسية العراقية تريد مزيد من الوقت لحل المسائل الخلافية بينها، بشكل يضمن الاتفاق على صيغة لقانون الانتخابات ترضي جميع الإطراف".
المصدر

طبعاً المزيد من الوقت بالنسبة لقادة أحزاب الاحتلال يعني وقتاً مفتوحاً للنقاشات والولائم والزيارات والنفاق المقرف بينهم ليحلّوا مشكلة صغيرة جداً ويخلقوا مشكلة كبيرة محلها وهكذا... بينما إدارة اللص الأكبر جورج بوش ليس لديها الوقت الكافي لانتظار ما يقرّره هؤلاء اللصوص الصغار.

هذه الحقائق هي من أهم الأسباب وراء الصراع الحالي في برلمان الاحتلال حول قضايا مهمّة مطروحة على البرلمان ومنها قانون المحافظات والمصادقة على قانون الميزانية التكميلية وقضية الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وقانون النفط والغاز وكلها قضايا وطنية مصيرية تتعلق بوجود العراق كدولة ذات سيادة وشعب يتطلّع لاستعادة أنفاسه وزوال الاحتلال البغيض.

إنّ شرذمة الأحزاب التي تتصدر الحكم والسياسة في العراق المحتل لا يمكن أن تفعل شيئاً من أجل العراق وخير العراق وشعبه، وهي بالتالي عصابة من الخونة واللصوص والمجرمين الذين يستغلون وجود قوات الاحتلال في البلاد لبناء أمجاد شخصية وحزبية ونهب الثروة العامة على حساب العراق وشعبه. مثل هؤلاء الأشرار هم أعداء الوطن والشعب بكل قومياته وأديانه وطوائفه ولن يعود العراق إلى جادّة السيادة والاستقلال الوطني وإعادة البناء والتعافي من أدران الاحتلال إلاّ بالتخلص منهم.

الأثنين 2 شعبان 1429 هـ
4 آب 2008 م

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار