الأربعاء، مايو 07، 2008

هل رابطة المواطنة اقوى من رابطة الاخوة؟


كتابات - وجدي أنور مردان

عندما يعيش الوطن في محنة فالشعب هو الاخر، بكل اطيافه والوانه ومكوناته يعيش في المحنة ذاتها. فليس بعد محنة الاحتلال من محنة، انه ليس ابتلاءً او امتحانا لقوة ارادة ابناء الوطن المخلصين وانما اختباراً لمعدن الرجال والنساء على حد سواء.
فالذي جرى على العراق وشعبه لم يجر على أي شعب من الشعوب في العصر الحديث. أحتلت دول كثيرة وحكمت من قبل الغزاة وعملائها واعوانها وسرقت ثرواتها واعدمت ابطالها واسرت مناضليها ومجاهديها، من اقصى شمال الارض الى جنوبها ومن ابعد نقطة في شرقها الى اخر طيف من غربها، لم يحدثنا التاريخ بان دولة ما اغتصبت وسرقت ثروتها ودمرت تراثها واغتيل علمائها وصفيت ابطالها مثلما حدث للعراق وابنائها الذين دافعوا عنه ورووا ارضه الطيبة بدمائهم الطاهرة.
لقد امتدت هذه المحنة القاسية، فدخلت كل بيت وحارة وحاصرت كل مدينة وناحية في عراقنا المنكوب المحتل.لقد اراد المحتلون الاشرار من الامريكان والصهاينة والصفويين الجدد، ان يدقوا اسفين التفرقة بين اطياف شعب العراق ومكوناته المذهبية والاثنية ممهدين الطريق ليفعل سكاكين فرق الموت فعلها في حز رقاب الابرياء ودريلات الميليشيات الطائفية لثقب رؤوس الشباب والشيوخ مرسلين بذلك رسالة الرعب الى الاخرين مفادها ان كل من يفكر فهذا مصيره وكل من يتعلم فهذه نهايته وكل من يقاوم ينالون منه بالارهاب وتفجير المأوى من كبد السماء. لقد قرر المحتلون واقسم عملائهم على ان لايتركوا في العراق عالما الا وثقبوا جبينه ولا عسكريا فذا الا وحزوا راسه ولاطيارا باسلا الا وذبحوه ذبح النعاج ،لم يفرق الاوباش بين الشيعي والسني والمسيحي ولا بين العربي والكردي والتركماني او الاثوري او الكلداني المهم هو انه شارك في الذود عن العراق في العهد الوطني بحيث اجبروا كبيرهم شرب السم الزعاف الى ان مات كمدا ولم يدخل كربلاء فاتحا ولكن اسياده الامريكان والانكليز نفذوا وصيته لاحقا.
عذرا ايها القارىء الكريم لهذه المقدمة التي لابد منها، تحدثنا في بداية المقال عن المحنة وامتدادها لتغلف العراقيين شبابا وشيوخا نساءً واطفالا في داخل الوطن المحتل وخارجه، وكاتب المقال واحدا من الذين لفهم المحنة كأعصار الخماسين.
هذه الاسطر قصة حدثت قبل ايام قليلة، ولكنها امتدت لتلامس شغاف قلب الوطن مساحةً،وعمق ارض العراق تاريخا، وارتفاع جبال العراق شموخا.
بعد ان ضاق بنا السبل، وفرضت الضرورات علينا احكامها، شددنا الرحال من الغربة الى الغربة بحثا عن مأوىً يؤوينا، بعد أن سد الاشقاء العرب ابوابهم بوجهنا وطردونا من مطاراتهم بحجة اننا من كتاب المقاومة، هذا الذي الوسام الذي نفتخر به اكبر منا بل عليهم ان ينعتونا باننا خدام المقاومة . فياايها التاريخ اشهد على هذا الزمن الردىء الذي اصبح فيه من يدافع عن وطنه المحتل ولو بالكلمة، مخيفا لايستحق ان يتنفس هواء بلاد العرب أويشرب من مائها أويتلحف سمائها في الوقت الذي يمرق اليهود وكلاب بلاك ووترز من حواجز المطارات العربية كما يمرق السهم من قوسه!!.فيا ايها الاخوة العرب مهما فعل حكامكم بالعراقيين، ثقوا بانهم يزدادون حبا لكم ويصرون على الدفاع عنكم. أن حكامكم لايعلمون بان هذه المحنة ستزول، ولايتوقعون ان يعود العراق حرا مستقلا شامخا ليفيض سيل خيراته عليكم مدرارا فانكم مهما فعلتم وبنيتم فانكم تحتاجون الى العراق لانه رمح هذه الامة وسلة خيره الذي لاينفذ، بفضل الله العلي القدير ثم بسواعد ابطال مقاومته الباسلة.
عرفني صديق عزيز، قبل ايام، على مجموعة خيرة وطيبة من ابناء العراق النشامى، الذين يتلحفون الغربة وطنا،ويشربون سمها وياكلون حنظلها على حافة العالم.في الغربة يشتد لهيب الحنين الى الوطن الى ان يتلظى القلب حريقا ، فكيف اذا كان هذا الوطن هو العراق؟! وكيف اذا كان هذا الوطن مغتصبا؟! في الغربة وحدها يكتشف الانسان قيمة الوطن ويزداد جنونا في حبها . في الغربة وحدها يفتقد الانسان حنان الوطن ودفئه. أمسية غريبة جمعتنا الحنين والشوق الى الديار ، جمعتنا لنتحدث فيها عن سيد الاوطان واكرمهم، وعن محنة هذا السيد الجليل الذي ينحني التاريخ ليقبل قدماه، نظرت عميقا في الوجوه المضيئة بحب العراق، لاحظت دجلة الخير تترقرق في مقلهم كحبات اللوءلوء، شاهدت الفرات العز ينساب مخترقا شراينيهم كجمر من اللهب. نظرت الى نخيل العراق بين اهدابهم منتصبا تتحدى الزمن اما بغداد الحزينة فكلما ذكرناها تفجر دموعهم حبا واملاودعاءً. جسور بغداد امتدت لتربط بين قلوبنا مذكرة بليال الوصل على ضفاف العشار وبحيرة الحبانية والثرثار وحدائق أم الربيعين . كان المساء مساء العراق، والليل ليل العراق والرائحة رائحة العراق وعبق قداحه، جلسنا نحن، العربي والكوردي والتركماني ومنا الشيعي الذي لايخفيه ومنا السني الذي لايبدل حذاء الشيعي الوطني بسدارة سني عميل اوبعمامة معمم سافل. جلسنا تحت ضوء القمر تحرسنا النجوم باضوائها الخافتة تنقل أشوقنا عبر الاثيرعلى بعد ستة الاف كيلومتر لينثرها على سماء الوطن المحتل آهاةً.افتقدنا اخوة لنا من الاثوريين والكلدان ليكتمل برلمان حب الوطن.
كان الوطن هم الجميع و بغداد العزيزة محور الذكريات، اندثرت من على الطاولة ثقافة الطائفية الممجوجة التي ارادها الغزاة نشرها وترسيخها من اجل تمزيق العراق وتفتيته، انزوت واختفت من بين الاشراف خجلا وديست تحت اقدامهم . لم اشعر بعمق عراقيتي مثلما شعرت به تلك الامسية التي حفرت سجالاتها ومناقشاتها اخدودا عميقا في عقلي وقلبي ووجداني. كم كان رائعا ابناء العراق وهم يناقشون حاضره المؤلم ومستقبله المشرق ، وكم كان صافيا سريرتهم عندما اتفقوا على ان الاحتلال زائل لامحال وكم كان خالصا حبهم العميق للوطن عندما اصروا على وحدة العراق وسيادته واستقلاله. كانوا بحق نخبة العراق الحر وسفرائه الشرعيين الى العالم.
أسمع ايها المحتل الغاصب القادم من رحم الاساطير التافهة، واسمع ايها الصفوي الجديد الحاقد من وراء الحدود التي كنا نتمنى ان يكون حاجزا من النار، هؤلاء هم العراقيون الاصلاء النجباء فاينما تواجدوا تألفوا وتوحدوا وليذهب اجندتكم وعملائكم المنفذين لها، الى اسفل السافلين وبئس المهاد.
لم اتحدث عن محنتي لاحد منهم، لان بحث محنة الوطن اولى و اعظم واكبر من كل المحن.
افترق الجمع الطيب بعد سهرة طالت الى ما بعد منتصف الليل.غادرت البلد المضيف مع همومي مثلما جئت اليه مع محنتي. وفي اليوم التالي اتصل بي صديقي الذي عرفني على ابناء وطني الذين يعيشون في الغربة الاجبارية والقسرية. نقل اليّ هذا الصديق العزيز تحيات، احد الاخوة الذي شاركنا الامسية، ومعربا عن استعداده لحل مشكلتي اذا ما وافقت على ذلك وبدون اي مقابل.... للحظات كانها دهر، تسمرت في مكاني ،اغرورقت عيناي بالدموع وسرت قشعريرة باردة في بدني، من هول المفاجئة، لان عرضه السخي هذا لايقدمه شقيق لشقيقه وربما اب لابنه في هذا الزمن الرديء، فكيف بشخص لم يمض على تعرفه بي الا ساعات قليلة. فعلمت ان العراق مازال بخير، وازداد ايماني بالعراقيين، وأحسست بأن رابطة المواطنه اعمق حتى من رابطة الاخوة وامتن.
الذي قدم العرض مواطن عراقي شيعي من جنوبنا الباسل، عذرا سأسميه (المواطن الشهم عبد الصاحب) صاحب القلب الكبير.هذه هي شهامة العراقيين وكرمهم الذي لاحد له. فليخرس اذا الصفووين الجدد، ولينتحر الاحتلال بغيضه على اسوار بغداد، وينكسف المجوس وتخمد نار حقدهم الدفين على العراق والعراقيين، هذا هو العراق وهذه هي شيمة ابنائه، يهب شيعيا وطنيا عروبيا لنجدة اخيه السني في الغربة وبدون سابق معرفة ومن دون اي ضامن، ليعزز بهذا العمل الجليل تضحية الشهيد عثمان على جسر الائمة عندما قدم حياته فداءً لانقاذ اخوته من الشيعة اللذين سقطوا في نهر دجلة. ان هذه المبادرات السخية ان دل على شيء فانما يدل على اننا ابناء العراق الواحد لانعترف بالثقافة الطائفية المتخلفة التي يريدون ان نؤمن بها قسرا ونقتدي بها نبراسا في الحياة، كلا العراقيون لا يسمحون لهذه العقلية التافهة ان تفعل فعلها مهما فعل الغزاة والمحتلون فان وشائجنا وراوبطنا العائلية والمذهبية والاجتماعية والثقافية تبقى تمتد عميقا عمق جذور نخيل العراق وحبنا لوطننا و لبعضنا البعض تمتد لتلامس عمق التاريخ ووشائج وحدتنا تبقى تفوح منها عبق عنبر المشخاب وحبات هيل البصرة.
كلمة اخيرة: رغم انف العملاء واذنابهم أحنا الشيعة والسنة هذا الوطن مانبيعة.

اوائل مايس/مايو 2008

ليست هناك تعليقات:

آخر الأخبار

حلبجة.. الحقيقة الحاضرة الغائبة

إقرأ في رابطة عراق الأحرار